عباس ذوالقدری

عین فی ان النفس العاقلة تحدث فی الاربعین غالبا (47)

مز- و من تلک العیون المعجبة أن النفس الناطقة المدرکة للمعقولات بالفعل انما تحدث لمن یحدث فی حدود الاربعین عاما بحسب الغالب. و قد صرّح به صاحب الأسفار فی الفصل الثالث عشر من الباب الثالث من کتاب النفس‏.[1]

و کذا المتأله السبزواری فی النبراس‏[2] حیث یقول:

فالاربعون مدّة الاطوار / لخلقة الانسان ذی الأسرار

کل من الأطوار فیه تجعل‏ / و العقل اربعین عاما یکمل

و قال فی الشرح: «فالاربعون من شرافته أنه مدة الاطوار من النطفة، و العلقة، و المضغة، و الجنین، و ما فوقها التی لخلقة الانسان کما قال اللّه- تعالى-: «وَ قَدْ خَلَقَکُمْ أَطْواراً»، ذی الأسرار من اللطائف القلبیة و الروحیة و السریة و الخفویة و غیرها. کل من الاطوار المذکورة فیه أی فی الاربعین تجعل من الجعل بمعنى الخلقة، ففی الاربعین یوما و لیلة یصیر النطفة علقة، و فی الاربعین الآخر یصیر العلقة مضغة، و فی الآخر یصیر المضغة جنینا.

و العقل اربعین عاما أی فی اربعین فهو مفعول فیه، یکمل فکما أن للانسان بلوغا صوریا و أشدّا ظاهریا هو بانقضاء خمس عشرة سنة کذلک له بلوغ معنوی و أشدّ باطنی هو فی حدّ الاربعین عاما غالبا. الى آخر ما أفاد فی المقام و أجاد.

و قیده الغالب لا یخفى وجهه ثم إن حدوث النفس العاقلة فی الاربعین کأنّ المراد منه حدوث منّة و صفة خاصّة للنفس فی الاربعین عاما فتدبر. و یعلم وجهه بالغور فی تضاعیف ما سنهدیها الیک. و الأخبار فی الاربعین کثیرة و بعضها مصرح بأن الانبیاء بعثوا الى الخلق بعد مضی أربعین سنة من عمرهم. و ینبغی الفرق بین الابلاغ و بین الرتبة النبویة، فالاول هو ما قال- عز و جل- فاصدع بما تومر لأن الصّدع هو الإبانة و الابلاغ. و لا منافاة بین أن یکون الانسان کاملا آلهیا و ولیا عارفا و متصرفا و متصفا بحقائق الاسماء الآلهیة، و بین أن لا یکون مأمورا بالصدع.

و البحث عن ذلک یطلب فی عدّة الاصول للشیخ الطوسی- قدّس سرّه القدوسی- حیث قال: «فصل فی أنّه- علیه السلام- هل کان متعبدا بشریعة من کان قبله من الانبیاء ام لا؟ عندنا أن النبی- صلّى اللّه علیه و آله و سلّم- لم یکن متعبدا بشریعة من تقدّمه من الانبیاء لا قبل النبوّة و لا بعدها، و أن جمیع ما تعبّد به کان شرعا له. و یقول اصحابنا إنه- علیه السلام- قبل البعثة کان یوحی الیه باشیاء تخصّه، و کان یعمل بالوحی لا اتباعا لشریعة قبله»[3] الى آخر ما أفاد.

و کذا صاحب قوانین الأصول- رضوان اللّه تعالى علیه- قال على منهج شیخ الطائفة: «قانون، الحق أن نبینا- صلّى اللّه علیه و آله و سلّم- قبل البعثة کان متعبدا و لکن لا بشریعة من قبله من الانبیاء- علیهم السلام- الخ»[4]

و الحق أن الکتابین المذکورین فی فن اصول الفقه من أجلّ الکتاب المدونة فیه و انفعها. و الموضعین المذکورین منهما حاویان لتحقیقات انیقة فی المقام.

ثم لصدر الدین القونوی أیضا کلام فی الاربعین على المنوال المذکور فی مفتاح الغیب حیث قال بعد بیان معراج الترکیب و معراج التحلیل و معراج العود و أن الأخیر هو الرجوع الى عالم الشهادة لتکمیل الغیر ما هذا لفظه: «فالکامل ینتهی بکامل نشأته فی اول یوم او ساعة من سنة اربعین او سنة احدى و اربعین من سنی عمره. و قد ینتهی قبل ذلک الى درجة هی کمال نسبی بمعنى انه ینتهی الى امر هو کمال نشأته او نشئات أخر غیر نشأته على ما ذکر و بالنسبة الى من دونه، فاما کمال نشأته و استوائه ففی رأس الاربعین او الحادی و الاربعین کما ذکر»[5]

اقول: و قد اقبل على هذا المستکین فی عامه الاربعین أحوال طاریة غریبة کأنّ الایماء الیها یوهم بعض الظّنون للظّنون، و لست أدری هل النفوس الأخرى باختلاف استعداداتها ایضا تقبل علیها نظائر تلک الاحوال أم لا؟ و قد صنفت کتابا فی شرح اربعین حدیثا کل حدیث فی اربعین تذکارا للاربعین من عمری.

الفصل العاشر من الباب الثالث من نفس الأسفار: «النفس الآدمیة مادام کون الجنین فی الرحم درجتها درجة النفوس النباتیة على مراتبها. و هی انما تحصل بعد تخطّی الطبیعة درجات للقوى الجمادیة فالجنین الإنسانی نبات بالفعل حیوان بالقوة لا بالفعل إذ لا حس له و لا حرکة، و کونه حیوانا بالقوة فصله الممیز عنه عن سائر النباتات الجاعل له نوعا مبائنا للأنواع النباتیة.

و إذا خرج الطفل من جوف أمّه صارت نفسه فی درجة النفوس الحیوانیة إلى أوان البلوغ الصوری و الشخص حینئذ حیوان بشری بالفعل انسان نفسانی بالقوة.

ثم یصیر نفسه مدرکة للأشیاء بالفکر و الرویة مستعملة للعقل العملی؛ و هکذا إلى أوان البلوغ المعنوی و الأشدّ الباطنی باستحکام الملکات و الأخلاق الباطنة، و ذلک فی حدود الأربعین غالبا فهو فی هذه المرتبة انسان نفسانی بالفعل، و انسان ملکی أو شیطانی بالقوة یحشر فی القیامة إما مع حزب الملائکة، و إما مع حزب الشیاطین و جنودهم؛ فإن ساعده التوفاق و سلک مسلک الحق و صراط التوحید و کمل عقله بالعلم و طهر عقله بالتجرد عن الأجسام یصیر ملکا بالفعل من ملائکة اللّه الّذین هم فی صفّ العالین المقربین، و إن ضلّ عن سواء السبیل و سلک مسلک الضّلال و الجهّال یصیر من جملة الشیاطین، أو یحشر فی زمرة البهائم و الحشرات».[6]

بیان: قوله: «نبات بالفعل»، قال- عز من قائل-: «وَ أَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً»[7] و إنما أنبتها نباتا حسنا لأن منبتها کان طیبا. قال- تعالى شأنه-: «نِساؤُکُمْ حَرْثٌ لَکُمْ»[8] و قال:

«أَ فَرَأَیْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ»[9] و قال: «وَ الْبَلَدُ الطَّیِّبُ یَخْرُجُ نَباتُهُ‏ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِی خَبُثَ لا یَخْرُجُ إِلَّا نَکِداً»[10] و قال: «أَ لَمْ تَرَ کَیْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا کَلِمَةً طَیِّبَةً کَشَجَرَةٍ طَیِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِی السَّماءِ تُؤْتِی أُکُلَها کُلَّ حِینٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَ یَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ یَتَذَکَّرُونَ وَ مَثَلُ کَلِمَةٍ خَبِیثَةٍ کَشَجَرَةٍ خَبِیثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ»[11] و فی مجمع البحرین عن الإمام الباقر علیه السلام: الشجرة الطیّبة رسول اللّه، و فرعها علی، و عنصر الشجرة فاطمة، و ثمرتها أولادها، و أغصانها و اوراقها شیعتها. و من کلمات الوصیّ- علیه السلام- فی النهج فی وصف الحجج الإلهیة و العلماء باللّه: «یحفظ اللّه بهم حججه و بیّناته حتى یودعوها نظراءهم و یزرعوها فی قلوب أشباههم»[12]

و قال- علیه السلام- و اعلم أن کل عمل نبات، و کل نبات لا غنى به عن الماء، و المیاه مختلفة، فما طاب سقیه طاب غرسه و حلت ثمرته، و ما خبث سقیه خبث غرسه و أمرت ثمرته‏[13]

و فی الکافی باسناده إلى یونس بن ظبیان عن أبی عبد اللّه- علیه السلام- قال: «إنّ اللّه خلق قلوب المؤمنین مبهمة على الإیمان فإذا أراد استنارة ما فیها فتحها بالحکمة و زرعها بالعلم و زارعها و القیّم علیها ربّ العالمین»[14]

و قال- عزّ من قائل-: «وَ اللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْیا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها»[15] و قال: «وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ کُلَّ شَیْ‏ءٍ حَیٍّ»[16]

و فی قرب الإسناد: الحسن بن ظریف عن الحسین بن علوان عن جعفر- علیه السّلام- قال: «کنت عنده جالسا إذ جاءه رجل فسأله عن طعم الماء- و کانوا یظنون أنه زندیق- فأقبل ابو عبد اللّه علیه السلام یضرب فیه و یصعد ثم قال له: ویلک طعم الماء طعم الحیاة إنّ اللّه- عز و جل- یقول: «وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ کُلَّ شَیْ‏ءٍ حَیٍّ أَ فَلا یُؤْمِنُونَ»[17]

قال الوصی- علیه السلام-: «انظروا من ترضع أولادکم فإنّ الولد یشبّ علیه».

و قال الامام الباقر- علیه السلام-: «استرضع لولدک بلبن الحسان و إیّاک و القباح‏ فإنّ اللبن قد یعدّی»[18]

و کذا عنه- علیه السلام-: «علیکم بالوضاء من الظئورة فإنّ اللّبن یعدّى»[19]

و قال- تعالى-: «فَلْیَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ یَخْرُجُ مِنْ بَیْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ»[20]

و قال: «فَلْیَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى‏ طَعامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنا فِیها حَبًّا وَ عِنَباً وَ قَضْباً وَ زَیْتُوناً وَ نَخْلًا وَ حَدائِقَ غُلْباً وَ فاکِهَةً وَ أَبًّا مَتاعاً لَکُمْ وَ لِأَنْعامِکُمْ»[21]

فسرّ ابن عباس الماء فی قوله- سبحانه-: «وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً»، بالعلم. و قال- تعالى-: «وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِیقَةِ لَأَسْقَیْناهُمْ ماءً غَدَقاً»[22] ففی المجمع عن الإمام الصادق علیه السلام قال معناه لأفدناهم علما کثیرا یتعلمونه من الأئمة- علیهم السلام-.

و فی الکافی عن الإمام الباقر- علیه السلام-: «یعنی لو استقاموا على ولایة أمیر المؤمنین علی و الأوصیاء من ولده- علیهم السلام- و قبلوا طاعتهم فی أمرهم و نهیهم لأسقیناهم ماء غدقا»، یقول: «لأشربنا قلوبهم الإیمان».

الفصل الثانی من التعلیم الأول من قانون الشیخ الرئیس فی تدبیر الرضاع و شرائط المرضعة، قال فی شرائط المرضع: «و أما فی أخلاقها فأن تکون حسنة الأخلاق محمودتها بطیئة من الإنفعالات النفسانیة الردیة من الغضب و الغم و الجبن و غیر ذلک فان جمیع ذلک یفسد المزاج، و ربما أعدى بالرضاعة و لهذا نهى رسول اللّه- صلّى اللّه علیه و آله عن استئظار المجنونة- الخ»[23]

قوله- سبحانه-: «وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی»[24] و نعم ما أفاد الشیخ الاکبر فی الفص المحمدی من فصوص الحکم من التحقیق فی النفخ و خلاصته أن کل واحد من الوالدین سیما الوالدة دخیلا فی النفخ حیث انه یصل منهما الى الجنین، کالماء المنزل من السماء یتلون بأحوال ما على الأرض و أوصافها من المجاری و الأودیة و غیرهما[25]

و قال الشیخ الرئیس فی الفصل الأول من ثانیة نفس الشفاء فی تحقیق القوى المنسوبة إلى النفس النباتیة ما هذا لفظه: «و أما المولدة فلها فعلان أحدهما تخلیق البزر و تشکیله و تطبیعه؛ و الثانی إفادة أجزائه فی الاستحالة الثانیة صورها من القوى و المقادیر و الأشکال و الأعداد و الخشونة و الملاسة و ما یتصل بذلک متسخرة تحت تدبیر المتفرد بالجبروت- الخ»[26]

هذه نبدة من أصول و أمهات القیناها الیک فی انبات الحبّة المسمّاة بالنطفة؛ فعلیک باستنباط الفروع و استنتاج المسائل التوحیدیة، و المطالب التربویة منها بتلفیق بعضها ببعض مع التوجه إلى معانی السماء و الأرض بان السماء فی الحقیقة عالم الأرواح و الارض عالم الأجسام، و الحرث و البزر و الماء و الزرع و النفخ و الطعام و الحیوة و غیرها مما تقدم. فلنرجع الى بیان ما فی ذلک الفصل من الأسفار:

و قوله: «و الأشد الباطنی»، قال- تعالى-: «وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَیْناهُ حُکْماً وَ عِلْماً»[27]، «وَ لَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ اسْتَوى‏ آتَیْناهُ حُکْماً وَ عِلْماً»[28]

و قوله: «فی وصف عالین»- قال- جل و على-: «أَسْتَکْبَرْتَ أَمْ کُنْتَ مِنَ الْعالِینَ»[29]

و فی أوّل الباب الحادی و الستین و ثلاثمائة من الفتوحات المکیة کلمات عالیة فی العالین منها قوله: «و قد یرید بالعالین الملائکة المهیمة فی جلال اللّه الذین لم یدخلوا تحت الأمر بالسجود و هم أرواح ما هم ملائکة فان الملائکة هی الرسل من هذه الأرواح کجبریل و أمثاله- علیهم السلام- فان الألوکة هی الرسالة فی لسان العرب- الخ».

ثم إن فی قوله: «فالجنین الإنسانی نبات بالفعل حیوان بالقوة لا بالفعل .... و الشخص حینئذ حیوان بشری بالفعل انسان نفسانی بالقوة ... فهو فی هذه المرتبة انسان نفسانی بالفعل و انسان ملکی أو شیطانی بالقوة الخ»، لشأنا علمیا فی الحکمة المتعالیة و تکامل النفس من حدوثها الجسمانیة إلى اعتلائها و ارتقائها بالحرکة الجوهریة. تدبّر ترشد انشاء اللّه- تعالى-.

و اعلم أن غیر واحدة من الروایات جائت فی عدد الأربعین حول موضوعات شتى و لنا رسالة فی الأربعین غیر مبیضّة بعد. و للسّلاک إلى اللّه- سبحانه- فی آداب الأربعین و تأثیر العمل فیه لطائف شریفة. و من الأربعینات الاربعون الکلیمی یعنون به ما قاله- عزّ من قائل- فی کتابه الکریم اجمالا: «وَ إِذْ واعَدْنا مُوسى‏ أَرْبَعِینَ لَیْلَةً»[30] و تفصیلا: «وَ واعَدْنا مُوسى‏ ثَلاثِینَ لَیْلَةً وَ أَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِیقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِینَ لَیْلَةً وَ قالَ مُوسى‏ لِأَخِیهِ هارُونَ اخْلُفْنِی فِی قَوْمِی وَ أَصْلِحْ وَ لا تَتَّبِعْ سَبِیلَ الْمُفْسِدِینَ وَ لَمَّا جاءَ مُوسى‏ لِمِیقاتِنا وَ کَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِی أَنْظُرْ إِلَیْکَ قالَ لَنْ تَرانِی وَ لکِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَکانَهُ فَسَوْفَ تَرانِی فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَکًّا وَ خَرَّ مُوسى‏ صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَکَ تُبْتُ إِلَیْکَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِینَ قالَ یا مُوسى‏ إِنِّی اصْطَفَیْتُکَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِی وَ بِکَلامِی فَخُذْ ما آتَیْتُکَ وَ کُنْ مِنَ الشَّاکِرِینَ وَ کَتَبْنا لَهُ فِی الْأَلْواحِ مِنْ کُلِّ شَیْ‏ءٍ مَوْعِظَةً وَ تَفْصِیلًا لِکُلِّ شَیْ‏ءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَ أْمُرْ قَوْمَکَ یَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِیکُمْ دارَ الْفاسِقِینَ»[31]

قوله سبحانه: «ثَلاثِینَ لَیْلَةً، هی شهر ذی القعدة»، و قوله: «بعشر»، هی العشرة الأولى من ذی الحجة «فتمّ میقات ربّه أربعین لیلة».

و رودنا فی بیان لطائف الآیات یخرجنا عن موضوع الکتاب و قد أشیر الى بعضها فی العین الثامنة و العشرین. فعلیک بالتدبر و التعمق فی المواعدة ثم فی مواعدة ثلاثین لیلة و اتمامها بعشر، و فی اللیلة، و المیقات، و فی قوله: «وَ لَمَّا جاءَ مُوسى‏ لِمِیقاتِنا»، و فی قوله: «وَ کَلَّمَهُ رَبُّهُ»، سیّما فی ربّه أعنی الرّب المضاف الیه، «و فی‏ أَرِنِی» فإنّ الرؤیة هو عبارة أخرى للادراک، و فی أمره إلى النظر إلى الجبل، و فی التجلی، و فی دک الجبل و صعق موسى، ثم فی افاقته و توبته، و بعد ذلک کله فی اصطفائه على الناس، ثم فی اعطاء کتاب فیه موعظة و تفصیل لکل شی‏ء.

ثم انظر فی تناظر احکام الأزمنة و تطابقها فإن میقات الأمة الختمیة المحمّدیة فی حجّ البیت و مناسک الحج شرّع فی عشر ذی الحجة، «وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَیْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَیْهِ سَبِیلًا»[32]. ثم أنّ ممّا یعجب أنّى تنبّهت فی أثناء تقریر هذه الکلمات المبارکة أنّ یومى هذا هو یوم السبت غرّة شهر ذی الحجة من سنة ثمان و اربعمأة بعد الألف من هجرة سیدنا خاتم النبیین- صلوات اللّه علیهم اجمعین- (- 5- 4- 1367 ه ش).

و فی دعاء السمات: «و بأسمک العظیم الأعظم الأعز الأجلّ الأکرم و بمجدک الذّی تجلّیت به لموسى کلیمک- علیه السلام- فی طور سیناء- و بنورک الذّی قد خرّ من فزعه طور سیناء- و أسألک بکلمتک التی غلبت کلّ شی‏ء، و بنور وجهک الذی تجلیت به للجبل فجعلته دکّا و خرّ موسى صعقا، و بمجدک الذّی ظهر على طور سیناء فکلّمت به عبدک و رسولک موسى بن عمران.

و فی الفص اللوطی من فصوص الحکم للشیخ الأکبر: «و ما بعث نبی إلّا بعد تمام الأربعین و هو زمان أخذه فی النقص و الضعف ...» و قال القیصری فی الشرح: «إنما کانت البعثة بعد تمام الاربعین لأن احکام النشأة العنصریة غالبة على احکام النشأة الروحانیة فی تلک المدّة، و القوى الطبیعیة مستعلیة على القوى الروحانیة بحیث لا یظهر اثرها الا احیانا و لذلک یغلب السواد أیضا فی تلک المدة على الشعر. و الحکمة فی هذه الغلبة و اختفاء القوى الروحانیة تکمیل النشأتین و تحصیل السعادتین لأن الرب کما یربّ الظاهر فی ذلک الزمان یربّ الباطن أیضا. و لمّا کانت النشأة الدنیویة منقضیة متناهیة یتوجه تلک القوى الى الضعف الى أن تفنى. و لکون الآخرة دائمة أبدیة تزداد القوى الروحانیة الى ان تنتهی الى الکمال المقدّر له»[33]