عباس ذوالقدری

عباس ذوالقدری
سایت قبلی 2baleparvaz.ir
کانال تلگرامی قبلی menbardigital@

امام صادق علیه السلام فرمود: مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَ عَمِلَ بِهِ وَ عَلَّمَ لِلَّهِ دُعِیَ فِی مَلَکُوتِ السَّمَاوَاتِ عَظِیماً فَقِیلَ تَعَلَّمَ لِلَّهِ وَ عَمِلَ لِلَّهِ وَ عَلَّمَ لِلَّهِ (الکافی، ج‏1، ص: 36) یعنی: هر که براى خدا علم را بیاموزد و به آن عمل کند و به دیگران بیاموزد در ملکوت آسمانها عظیمش خوانند و گویند: آموخت براى خدا، عمل کرد براى خدا، تعلیم داد براى خدا.

امیرالمومنین علی علیه السلام فرمود: مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَلْیَبْدَأْ بِتَعْلِیمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِیمِ غَیْرِهِ وَ لْیَکُنْ تَأْدِیبُهُ بِسِیرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِیبِهِ بِلِسَانِهِ وَ مُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَ مُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالْإِجْلَالِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَ مُؤَدِّبِهِمْ (نهج البلاغه، حکمت 73)
یعنی: کسی که خود را رهبر و امام مردم قرار داد باید قبل از تعلیم دیگران به تعلیم خود پردازد و پیش از آنکه به زبان تربیت کند، به عمل تعلیم دهد. و آن که خود را تعلیم دهد و ادب کند، به تعلیم و تکریم سزاواراتر است از آن که دیگری را تعلیم دهد و ادب آموزد.

عین فی ادراک النفس حقائق الأشیاء(28)

کج- و من تلک العیون المنیرة ادراک النفس حقائق الأشیاء. و ینجرّ البحث الى اتحاد النفس بالعقل الفعال، بل فنائها فیه.

قال صاحب الأسفار فی الفصل السابع من الطرف الاول من المرحلة العاشرة منه‏[1]: «إن مسألة کون النفس عاقلة لصور الاشیاء المعقولة من أغمض المسائل الحکمیة التی لم یتنقح لأحد من علماء الاسلام الى یومنا هذا، و نحن لما رأینا صعوبة هذه المسألة الخ».

أقول: و قد حررنا البحث عن مفیض الصور النوریة العلّمیة و فناء النفس فی العقل الفعال و حققناه فی الدرس التاسع عشر من کتابنا دروس اتحاد العاقل بالمعقول‏.[2] و فی کتابنا نثر الدراری على نظم اللئالی و هو تعلیقاتنا على اللئالی المنتظمة للمتأله السبزواری، و هذا البحث اعنی ادراک النفس حقائق الأشیاء، محرر فی تعلیقة على اول القیاس منه فراجع و قد اشرنا الیه و الى مواضع تحقیقه بالاجمال فی النکتة الأحدى و الخمسین و تسعمائة من الف نکتة و نکته.

و مما افاده العلامة القیصری فی المقام هو ما قاله فی آخر الفصل الثالث من مقدمات شرحه على فصوص الحکم: «بقدر ظهور نور الوجود بکمالاته فی مظاهره تظهر تلک الماهیات و لوازمها تارة فی الذّهن، و أخرى فی الخارج فیقوى ذلک الظهور و یضعف بحسب القرب من الحق و البعد عنه، و قلة الوسائط و کثرتها، و صفاء الاستعداد و کدره. فیظهر للبعض جمیع الکمالات اللازمة لها و للبعض دون ذلک، فصور تلک الماهیات فی اذهاننا هی ظلالات‏ تلک الصور العلمیة، الحاصلة فینا بطریق الانعکاس من المبادی العالیة او ظهور نور الوجود فینا بقدر نصیبنا من تلک الحضرة لذلک صعب العلم بحقائق الاشیاء على ما هی علیه الا من تنور قلبه بنور الحق و ارتفع الحجاب بینه و بین الوجود المحض فانه یدرک بالحق تلک الصور العلمیة على ما هی علیه فی انفسها. و مع ذلک بقدر انیّته ینحجب عن ذلک فیحصل التمیز بین علم الحق بها و بین علم هذا الکامل. فغایة عرفان العارفین اقرارهم بالعجز و التقصیر، و علمهم برجوع الکل الیه و هو العلیم الخبیر»[3]

أقول: ما أفاده کلام بعید الغور جدا و تفسیره ینجر الى الاسهاب و الاطناب و الصواب أن نشیر الى بعض الاسرار المستجنّة فیه لمن هو من اهل الخطاب فنقول بعون ملهم الصواب:

قوله: «ظلالات تلک الصور العلمیة» أی الصور العلمیة فی الحضرة الآلهیة.

و قوله: «الحاصلة فینا»، مرفوع صفة الظلالات. و ظل الشی‏ء یحاکیه و هو صنم و آیة له. و قد تقدم فی العین السادسة عشرة بعض الاشارات الیه.

قوله: «بطریق الأنعکاس». قال صدر المتألهین فی مبحث الوجود الذهنی من الأسفار:[4] «إن صور هذه الاشیاء عند تصوّر النفس ایاها فی صقع من ملکوت النفس من غیر حلول فیها بل کما ان الجوهر النورانی أی النفس الناطقة عند إشراق نورها على القوة الباصرة یدرک بعلم حضوری اشراقی ما یقابل العضو الجلیدی من المبصرات من غیر انطباع کما هو رأی شیعة الأقدمین، فکذلک عند إشراقه على القوة المتخیلة یدرک بعلم حضوری أشراقی الصورة المتخیلة الخارجیة المبائنة للنفس من غیر حلول الصور فیها و اتصاف النفس بها کما یحسّ صور الأشیاء الخارجیة بالباصرة و غیرها، کذا ینظر الى صورها الباطنیة و یشاهدها بحواسها الباطنیة من غیر حلولها فی ذات النفس. و الوجدان لا یحکم بالتفرقة بین المشاهدة فی الیقظة، و المشاهدة فی النوم».

و قال- قدّس سرّه- فی الفصل الثالث و الثلاثین من المرحلة السادس من الأسفار:[5] «قد اختلف الحکماء فی أن ادراک النفس الانسانیة حقائق الاشیاء عند تجردها و اتصالها بالمبدأ الفیاض أهو على سبیل الرشح، او على نهج العکس أی من جهة إفاضة صور الاشیاء على ذاتها، او على نهج مشاهدتها فی ذات المبدأ الفعال؟».

و لکل من المذهبین وجوه و دلائل مذکورة فی کتب اهل الفن. و عند التحقیق یظهر على العارف البصیر أنه لا هذا و لا ذاک بل بأنّ سبب الاتصال التام للنفس بالمبدأ لما کان من جهة فنائها عن ذاتها و اندکاک جبل إنیتها و بقائها بالحق و استغراقها فی مشاهدة ذاته فیرى الاشیاء کما هی علیها فی الخارج لا ان ما یریها من الحقائق غیر ما وقعت فی الأعیان و هو بعینه نحو معلومیتها للحق من الحق لا من الأشیاء و ان عالمیة الحق- سبحانه- بالأشیاء هی بعینها فیضانها عنه بإشراق نوره الوجودی فکل ما ادرکه العارف المکاشف من صور الحقائق بواسطة اتصاله بعالم القدس یکون حقائق الاشیاء على ما هی علیها فی الخارج لا اشباحها و مثالاتها، و اما الناقص المحجوب فیرى الحق فی مرآة الأشیاء و یعتقده على حسب ما یراه فیراه على صورة معتقده.

و راجع فی البحث و التنقیب عن المقام إلى العلم الکلی من الأسفار ایضا.[6]

و قال فی آخر الموقف التاسع من آلهیات الأسفار:[7] «اما القوة الغیر المنطبعة کالعاقلة منّا فلا یمکن انقسامها الى محل الادراک و محلّ الحفظ و الاختزان. فلا جرم خازن المعقولات جوهر عقلی یختزن فیه صور الأشیاء المعقولة کلّما توّجهت النفس الیه انتقشت بصورة ما تناسبها. و اذا أعرضت عنه إلى ما یلی العالم الحسی، و الدار الجسمانیة أو الى صورة أخرى انمحت عنها المتماثلات و غابت کمرآة تحاذی بها جانب صورة مطلوبة بعد أن صارت مجلوة و ازیلت عنها الغشاوة و الصّدى بتجشم اکتساب و تعمل و تکلف فمهما بقیت على وضع المحاذاة کانت الصورة منعکسة فیها أو فائضة علیها على اختلاف الرأیین اعنی الإشراق و الرشح فی الممثل له کما فی المثال و کلاهما غیر ما هو المختار عندنا فیهما کما شارنا الیه الخ».

بیان: «المثال»، یعنی به المرآة. و الممثل له، یعنی به ما هو المبحوث عنه فی المقام ای اثبات عالم العقل من جهة اثبات الخزانة للمعقولات و اتصال العاقلة به و فناء النفس فیه.

و قوله کما اشرنا الیه، ناظر الى ما نقلناه عنه من ثالث سادسة الأسفار. یعنی ان‏ النفس عند الاتصال بالمبدأ و الترقی الى جنابه لا فی مطلق الادراک کان علمه بوجود الاشیاء إما کذا إما کذا.

قول القیصری: «بطریق الانعکاس»، أی یظهر فی مرآة نفسه بطور ظهور العکس فی المرایا ما کان فی المبادی و تکون النفس آلة لملاحظتها کما ان المرآة تکون آلة.

قوله فإنّه یدرک بالحق تلک الصور العلمیة. فان الحقّ سبحانه یصیر حینئذ مرآة له لأنّ المؤمن مرآة المؤمن و المؤمن اسم من اسمائه- سبحانه- ایضا کما فی آخر الحشر.

و کلام القیصری کما قدمناه نقله عنه صاحب الأسفار فی آخر المنهج الثانی من المجلد الاول منه‏[8] حیث قال: «فالحق کما ذهبنا الیه وفاقا للمحققین من اهل اللّه و هو أن الماهیات کلّها وجودات خاصة و بقدر ظهور نور الوجود بکمالاته الخ».

و قد هدیناک الى مواضع البحث عن هذا المطلب العظیم من هذا الکتاب القویم لعلّک بالتحقیق و التفتیش فیها تجد ما هو حقیقة الأمر فی ذلک المرصد الأسنى. و راجع فی ذلک الى الفصل الاربعین من تمهید القواعد[9] ایضا، و الى الفصل الثالث من التمهید الجملی من مصباح الأنس‏[10] و سنشیر إلى مصادر أخرى فی ذلک أیضا.

تبصرة:

«اتصال النفوس الناطقة بالعقل الفعّال، بل اتحادها به، بل فنائها فیه، إنّما هو بحسب استعداداتها فلا جرم حظّ کل نفس بذلک الإتصال من الصور العقلیة بقدر استعداداتها فتصیر النفس مدرکة للصور العقلیة الخاصة بذلک الاستعداد دون سائر ما هی متحققة فی العقل الفعال. و بالجملة لا یوجب مجرد اتحاد النفس بالعقل الفعّال أن تطلع على جمیع ما هی فی العقل من العلوم بل بقدر استعدادها الخاص تطلع على العلوم التی ترتبط بذلک الاستعداد الذی هو ملکة الإتصال. نعم النفس المکتفیة لاستعدادها الأتم لها حظ أوفر بالفناء الى مبدئها، فإنّها محلّ مشیة اللّه و قدرته النافذة.

و الشیخ الرئیس فی الفصل الثالث عشر من نفس الإشارات فی اثبات العقل الفعّال ختم الفصل بذلک الاتصال فقال: ... فبقى أن هیهنا شیئا خارجا عن جوهرنا فیه الصور المعقولة بالذات اذ هو جوهر عقلی بالفعل إذا وقع بین نفوسنا و بینه اتصال ما ارتسم منه فیها الصور العقلیة الخاصّة بذلک الاستعداد الخاص لأحکام خاصّة؛ و إذا أعرضت النفس عنه إلى ما یلی العالم الجسدانی أو إلى صورة أخرى انمحى التمثل الذی کان أولا کأنّ المرآة التی کانت تحاذی بها جانب القدس قد أعرض بها عنه إلى جانب الحس أو إلى شی‏ء آخر من أمور القدس؛ و هذا أنما یکون أیضا للنفس اذا اکتسبت ملکة الإتصال.

بیان: قوله: «اذ هو جوهر عقلی بالفعل» یعنی به العقل الفعّال. و قوله: «کأنّ المرآة التی کانت تحاذی بها جانب القدس» کان من الحروف المشبّهة بالفعل أی کأن المرآة التی کانت النفس تحاذی بتلک المرآة جانب القدس. و قوله: «قد أعرض» على المبنى للمفعول أی قد أعرض بالمرآة عن جانب القدس إلى جانب الحسّ أو إلى شی‏ء آخر من أمور القدس أی إلى صور قدسیة أخرى.

یعلم من الفصل المذکور أن مخرج النفوس من النقص إلى الکمال هو العقل الفعّال؛ ففی الحقیقة هو العلة الفاعلیة لحصول صور المعقولات فی النفس التی وقع بینها و بینه اتصال؛ فالنفس هی العلة القابلیة بشرط أن تحصل لها ملکة الإتصال به التی هی استعدادها لقبول تلک الصور. ثم أتى بعده بفصلین آخرین أولهما فی بیان أن العلة الموجدة لهذا الاستعداد فأشار إلى أن له علة بعیدة و علة متوسطة و علة قریبة بقوله: «إشارة، هذا الاتصال عتله قوة بعیدة هی العقل الهیولانی، و قوة کاسبة هی العقل بالملکة، و قوة تامة الإستعداد لها أن تقبل بالنفس إلى جهة الإشراق متى شاءت بملکة متمکنّة و هی المسماة بالعقل بالفعل».

بیان: قوله: «لها أن تقبل أی من شأن هذه القوة أن تقبل- من الإقبال-. و قوله بملکة متعلق بقوله تقبل.

و ثانیهما فی بیان کیفیة حصول الاتصال بالتفصیل فقال: «إشارة، کثرة تصرّف النفس فی الخیالات الحسیة، و فی المثل المعنویة اللتین فی المصورة و الذاکرة باستخدام القوة الوهمیة و المفکرة، تکسب النفس استعدادا نحو قبول مجرداتها عن الجوهر المفارق لمناسبة مّا بینهما تحّقق ذلک مشاهدة الحال و تأمّلها. و هذه التصرفات هی المخصّصات للإستعداد التام لصورة صورة. و قد یفید هذا التخصیص معنى عقلی لمعنى عقلی».

بیان: قوله: «فی المصورة و الذاکرة»، أراد بالمصورة هنا الخیال التی هی خزانة الحس‏ المشترک، و بالذاکرة الحافظة التی هی خزانة الواهمیة؛ و تمام الکلام فیهما یطلب فی العینین الثانیة و العشرین، و الثالثة و الثلاثین. و قوله باستخدام القوة الوهمیة و المفکرة، متعلق بقوله تصرّف النفس. و الاستخدام مضاف إلى المفعول به، أی باستخدام النفس القوة الوهمیة و القوة المفکرة. و کثرة تصرف النفس بمعنى کثرة تمرّنها فی الخیالات الحسیة و المثل المعنویة. و قوله تکسب النفس من الإکساب و ضمیر الفعل راجع الى کثرة تصرف النفس؛ و الإکساب بالفارسیة: (ورزانیدن)؛ و حاصل المعنى أن کثرة تصرف النفس فیها تفید النفس استعدادا نحو قبول مجرداتها أی مجردات الخیالات الحسیة و المثل المعنویة عن الجوهر المفارق الذی هو العقل الفعال. و قوله لمناسبة ما، بیان لعلة الإکساب. و قوله لصورة صورة، أی من الکلیات. و قوله معنى عقلی لمعنى عقلی، أی معنى کلی لمعنى کلی.

کلام مع الشیخ- رضوان اللّه تعالى- علیه: غرضنا الأهم فی هذه التبصرة أن الشیخ صرّح فی الفصول المذکورة من النمط الثالث بأن النفوس الإنسانیة إذا وقع بینها و بین العقل الفعّال اتصال ما ارتسم منه فیها الصور العقلیة الخاصّة بذلک الإستعداد الخاص لأحکام خاصّة، و مع ذلک اعترض فی النمط السابع على القائلین باتحاد العاقل و المعقول، و باتحاد العاقل بالعقل الفعال أیضا، بأن اتحاده بالعقل الفعال یوجب إما أن یتجزى العقل الفعال و إما أن تطلع النفس على کل معقول و تصل الى جمیع الصور العقلیة فیه حیث قال فی الفصل التاسع من النمط المذکور ما هذا لفظه: «و هؤلاء ایضا قد یقولون إن النفس الناطقة إذا عقلت شیئا فانما تعقل ذلک الشی‏ء باتصالها بالعقل الفعال و هذا حق؛ قالوا و اتصالها بالعقل الفعّال هو أن تصیر هی نفس العقل الفعال لأنها تصیر العقل المستفاد، و العقل الفعال هو نفسه یتصل بالنفس فتکون العقل المستفاد. و هؤلاء بین أن یجعلوا العقل الفعّال متجزّءا قد یتصل منه شی‏ء دون شی‏ء، أو یجعلوا اتصالا واحدا به تجعل النفس کاملة واصلة إلى کل معقول» انتهى.

و أنا اقول: القائل باتحاد النفس بالعقل الفعال، أو بالفناء فیه یعمد الى ذلک النحو من الإستعداد الذی أفاده فی الفصول المذکورة من النمط الثانی، فلا یرد اعتراضه علیهم اصلا لأن کل نفس تتحد به بحسب استعدادها الخاص بذلک الاتحاد، و تصل الى الصور العقلیة کذلک. هذا ما اردناه فی التبصرة.

ثم تحقیق البحث عن هذه العین و تنقیبه یطلب فی عدة مواضع من الأسفار:

(الف) من جملة العرشیات أن صور هذه الأشیاء عند تصور النفس ایاها فی صقع‏ ملکوت النفس من غیر حلول فیها الخ‏.[11]

(ب) الفصل الثالث و الثلاثین من المرحلة السادسة فی العلة و المعلول: قد اختلف الحکماء فی أن ادراک النفس الإنسانیة حقائق الأشیاء عند تجردها و اتصالها بالمبدأ الفیاض أهو على سبیل الشرح الخ‏.[12]

(ج) فصل فی قول المتقدمین إن النفس أنما تعقل باتحادها بالعقل الفعّال الخ‏.[13]

(د) فصل فی نسبة العقل الفعّال إلى نفوسنا الخ‏.[14]

(ه) آخر الموقف التاسع من الالهیات‏:[15] و اعلم أن لنا منهجا آخر فی اثبات عالم العقل الخ.

و المتأله السبزواری فی البحث عن القیاس من اللآلی المنتظمة، أشار إلى کیفیة فیضان الصور العقلیة على النفوس النطقیة و نقل کلام صدر المتألهین من الثالث و الثلاثین من سادسة الأسفار فی العلة و المعلول‏.[16] و کذا فی عدة مواضع من غرر الفرائد فی الحکمة المنظومة: منها فی تعلیقته على الغرر فی تمایز الأشعّة العقلیّة؛[17] و منها فی غرر أدلة تجرد النفس، قوله: على مذهب صدر المتألهین- قدّس سرّه- من أنّ إدراک الکلیات الخ (ص 300)؛ و منها فی الفریدة الأولى من المقصد السادس فی المعاد.[18] و قد تضمن تعلیقة منا على اللآلی فی المقام من کتابنا نثر الدراری على نظم اللئالی مطالب مفیدة فی هذه البغیة القصوى، و ان شئت فراجع الیه.

إشارة إلى اطلاقات العقل الفعال‏:

ینبغی أن نشیر فی المقام إلى إطلاقات العقل الفعّال فی السنة أساطین الحکمة. اعلم أن الوجود الصمدی جلّ شأنه لا یتمایز عن ما سواه‏ تمایز بینونة فان تمیز المحیط عن المحاط انما هو بالتعیّن الإحاطی لا بالتعین التقابلی، فمفیض الحقائق النوریة على النفس و مخرجها من النقص إلى الکمال هو الحق- سبحانه-، و إن کان المظاهر فی نظر الکثرة دخلاء فی الإفاضة و لکن شئونها کلّها منتشأة من شأنه تعالى فتدبر فی قوله عز من قائل: یسئله من فی السموات و الارض‏ «کُلَّ یَوْمٍ هُوَ فِی شَأْنٍ»[19]. و أما الإطلاقات فهی ما یلی:

الف- کثیرا ما یطلقون العقل الفعال على المفارق الذی هو عقل العالم الأرضی و الفائض على النفوس النطقیة، کما قال الشیخ فی آخر الفصل الثالث من تاسعة آلهیات الشفاء فی کیفیة صدور الأفعال من المبادی العالیة ما هذا لفظه: ... «و کان عددها عشرة بعد الأول- تعالى-، أولها العقل المحرّک الذی لا یتحرّک»- إلى قوله: «و کذلک حتى ینتهی إلى العقل الفائض على أنفسنا و هو عقل العالم الأرضی و نحن نسمّیه العقل الفعّال»[20]

قوله: و کان عددها عشرة، یعنی أن عدد المفارقات عشرة. و لیس مرادهم من ذلک حصر المفارقات فی ذلک العدد، بل البیان فی نضد العالم و نظمه على مبلغهم من العلم أوجب ذلک. نظیر ذلک قول المحقق الطوسی فی تجرید الإعتقاد حیث قال فی المسألة الأولى من الفصل الرابع من المقصد الثانی منه فی العقول المجردة ما هذا لفظه: «و ادلّة وجوده مدخولة الخ»[21] فإن مراده من ذلک أن تلک الأدلة على اثباته مدخولة، لا أنه ینکر وجود العقول حاشاه عن هذا الوهم الموهون، کیف و آثاره النوریة مشحونة بذکر العقول و أحکامها؟!

قوله: «و نحن نسمیّه العقل الفعال»، کأنّ کلمة نحن تدلّ على أن هذه التسمیة جاریة على ممشى المشّاء.

ب- یطلق العقل الفعّال على المعلول الأول أیضا، کما فی تعلیقات الشیخ حیث قال: «المعلول الأول و هو العقل الفعّال إمکان وجوده له من ذاته لا من خارج- الخ»[22]

ج- یطلق على کل واحد من العقول المفارقة ایضا، کما قال الشیخ فی الفصل الخامس من المقالة الثالثة من کتابه فی المبدء و المعاد: «و کل واحد من العقول المفارقة عقل‏ فعّال، لکن الأقرب منّا عقل فعّال بالقیاس إلینا».

ثم بیّن معنى کون الأقرب منا عقلا فعالا بالقیاس الینا، بقوله: «و معنى کونه فعّالا أنه فی نفس عقل بالفعل، لا أن فیه شیئا هو قابل للصورة المعقولة، کما هو عندنا، و شیئا هو کمال، بل ذاته صورة عقلیة قائمة بنفسها، و لیس فیها شی‏ء ممّا هو بالقوة و ممّا هو مادة البتة. فهی عقل و تعقل ذاتها لأنّ ذاتها أحد الموجودات. فهی عقل لذاتها و معقول لأنها موجودة من الموجودات المفارقة للمادة. فأما عقولنا فیفترق فیها ذلک لأنّ فیها ما بالقوة.

فهذا أحد معانی کونه عقلا فعّالا.

و هو أیضا عقل فعال، بسبب فعله فی أنفسنا و إخراجه إیّاها عن القوّة إلى الفعل.

و قیاس العقل الفعّال إلى أنفسنا قیاس الشمس إلى أبصارنا، و قیاس ما یستفاد منه قیاس الضّوء المخرج للحسّ بالقوة إلى الفعل، و المحسوس بالقوة إلى الفعل»[23]

د- یطلق على العقل الفعال الذی هو مصادف للوجود الطبیعی على الوجه الرفیع الذّی أفاده المتأله السبزواری فی تعلیقة منه على الأسفار حیث قال: «قد قرر أن العقول الکلیة لاحالة منتظرة لها فکیف یتحوّل الروح النبوی الختمی- صلى اللّه علیه و آله و سلم- من مقام إلى مقام؟ فالجواب أن مصحّح التحوّلات هو المادة البدنیة، ففرق بین العقل الفعّال الذی لم یصادف الوجود الطبیعی، و بین العقل الفعال المصادف له؛ فالأول له مقام معلوم، و الثانی یتخطّى إلى ما شاء اللّه کما قال- صلّى اللّه علیه و آله- لی مع اللّه، الحدیث؛ فما دام البدن باقیا کان التحول جائزا. انتهى کلامه رفع مقامه‏[24]

اقول: و لنا حول کلامه الکامل المنیع بعض اشارات سنأتی بها فی العین السادسة و الأربعین.

ثمّ اعلم أن العقل قد أطلق کثیرا فی عبارات الأوائل و من بعدهم على الأول- تعالى- أیضا، تارة بأن العقل یدبر العالم؛ و أخرى بأن العقل الأول الواجب کذا و کذا، و نحوهما من عبارات أخرى. قال المتأله السبزواری فی غرر الفرائد فی غرر أن علمه- تعالى- بالأشیاء بالعقل البسیط و الإضافة الاشراقیة: «فذاته عقل بسیط جامع لکل معقول و الأمر تابع»[25] فأطلق العقل علیه سبحانه و نعم ما فعل.

و نختم البحث بالفوائد التالیة: منها أن حظ کلّ انسان من اتصاله بالعقل الفعال لمّا کان بحسب استعداده الخاص، علم وجه المشیة فی قوله- سبحانه- «وَ لا یُحِیطُونَ بِشَیْ‏ءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ»[26]

و منها کلام حول الوصول و الاتحاد و الفناء، قال الشیخ فی السابع من مقامات العارفین من الإشارات: «ثم انه لیغیب عن نفسه فیلحظ جناب القدس فقط، و إن لحظ نفسه فمن حیث هی لاحظة لا من حیث هی بزینتها و هناک یحق الوصول».

و قال صاحب الأسفار فی آخر الفصل الثالث من المرحلة الخامسة منه فی الوحدة و الکثرة، فی أن اتحاد الاثنین ممتنع: «و ما نسب إلى بعض الأقدمین من اتحاد النفس حین استکمالها بالعقل الفعّال، و کذا ما نقل عن الصوفیة من اتصال العارف بالحق، فیعنی به حالة روحانیة تلیق بالمفارقات، لا أن هناک إتصالا جرمیا أو امتزاجا، و لا بطلان إحدى الهویتین بل على الوجه الذی ستعرف فی هذا الکتاب فی موضع یلیق بیانه».

و قال المتأله السبزواری فی تعلیقته على قوله فیعنی به حالة روحانیة: «و هی الفناء الذی هو قرة عین العارفین و لیست من باب اتحاد الإثنین»[27]

اقول: الوجه الذی أحال معرفته هو الذی بینه فی الفصل التاسع من الطرف الأول من المرحلة العاشرة من الأسفار، المعنون بقوله فصل فی قول المتقدمین إن النفس أنما تعقل باتحادها بالعقل الفعال- الخ‏[28]

و منها أن العقل الفعال لما کان عقل العالم الأرضی قال حکماء الفرس: «إلیه مفوض کدخدائیة عالم العناصر؛ کما أن مدار الکون و الفساد فی عالم العناصر لما کان بأوائل الملموسات، قالوا الیها مفوض کدبانوئیة عالم العناصر. لان کد فی الفارسیة بمعنى البیت؛ و خدا بمعنى ربّ البیت و صاحبه و رئیسه، و بانوهی ربّة البیت شبهوهما بالزوجین یولدان مولدات عالم العناصر. کما أن الرجل مظهر العقل، و المرأة مظهر النفس. فان کان کاملا فهو مظهر العقل الکل، و ان کانت کاملة فهی مظهر النفس الکل. و کما تقدم فی العین العاشرة من أنّ السماء زوج و الأرض زوجة؛ و أن الروح و النفس الحیوانیة فی تألیف الانسان‏ کالزوجین فالروح بمنزلة الزوج و النفس الحیوانیة بمنزلة الزوجة.

و منها ما أفاد الجنابذی صاحب بیان السعادة من التحقیق حول الإدراک فی تفسیر قوله- تعالى شأنه-: «وَ واعَدْنا مُوسى‏ ثَلاثِینَ لَیْلَةً الآیات»[29]

«و واعدنا موسى ثلاثین لیلة- و هی شهر ذی القعدة کما نقل، لإعطاء کتاب فیه بیان کل شی‏ء- و أتممناها بعشر- من ذی الحجة، لسواک استاک آخر الثلاثین قبل الإفطار- فتم میقات ربه- لإعطاء الکتاب- اربعین لیلة و قال موسى- علیه السلام- حین خرج من بین قومه للمیقات- لأخیه هرون أخلفنی فی قومی و أصلح و لا تتبع سبیل المفسدین و لما جاء موسى لمیقاتنا و کلمه ربّه- التفات من التکلّم إلى الغیبة، اشارة إلى أن التکلم صدر من مقام ظهوره الذی هو الولایة المطلقة المتحقق بها على- علیه السلام- کما أن المتکلم مع محمّد- صلّى اللّه علیه و آله و سلّم- لیلة المعراج کان علیا علیه السلام. و لما سمع موسى- علیه السلام- کلامه- تعالى- اشتد شوقه و التهب حرارة طلبه و لم یتمالک فطلب و سئل ما لیس له من الشهود و الرؤیة مع أنه کان بعد فی الحدّ و الغیبة و باقیا علیه الأنانیة و لیس شأن المحدود إدراک المطلق و رؤیته فإنّ من شرائط الرؤیة و الإدراک صیرورة الرائی سنخا للمرئی، أو المرئی سنخا للرّائی و إلّا فلا یقع الرؤیة و لا یحصل المشاهدة ألا ترى أن النفس فی مشاهدة الأجسام محتاجة إلى آلة جسمانیة و قوة جرمانیّة؟ و تلک القوّة الجسمانیة محتاجة إلى تجرید الصورة من المادّة لتجردّها نحوا من التجرد؛ فلما لم یتمالک- قال: «رَبِّ أَرِنِی أَنْظُرْ إِلَیْکَ قالَ لَنْ تَرانِی»- فانک غیر خارج من حدودک، و لو شاهدتنی بحدودک لفنیت فلیس لک شأن رؤیة المطلق- و لکن انظر الى الجبل- جبل الحجر، أو جبل حدّک و انانیتک- فإن استقر- الجبل لتجلّى نور من أنوار المطلق- مکانه فسوف ترانی- مع جبل حدّک و انّیتک- فلما تجلّى ربّه- الذی هو المطلق المضاف لا المطلق المطلق- للجبل جعله- اللّه أو الرب أو التجلی- دکّا- متفتّتا متلاشیا- و خرّ موسى- علیه السلام- لاندکاک انّیته- صعقا فلما أفاق قال- سبحانک- عن سؤالی عن مثلک ما لیس لی- تبت الیک- من سؤالی- و أنا أول المؤمنین بأنک لا ترى لمثلی.

اعلم ان الإدراک حقیقة مشککة ذات مراتب متفاوتة فی الشدة و الضعف، و لکل مرتبة من مراتبه اسم خاص و شرائط خاصّة لحصولها؛ مثلا إدراک زید تصورا جزئیا، مرتبة منه إدراکه‏ بالبصر و یسمّى رؤیة، و مرتبة منه إدراکه بالخیال و یسمّى تخیّلا، و مرتبة منه إدراکه بالعین المثالیة فی المنام و یسمى رؤیا، و مرتبة إدراکه بالعین المثالیة بالکشف الصوری فی عالم المثال و یسمّى کشفا صوریا و شهودا؛ و الکل إدراک النفس الإنسانیة لشخص زید بحیث لا یمکن لأحد أن یقول إن زیدا بشخصه غیر مدرک فی مرتبة من تلک المراتب. و التفاضل بین تلک الإدراکات بدیهی وجدانی، فإنّ إدراک الخیال أضعف أنواع الإدراک، و أقواها الإدراک بالرؤیة و الإدراک شهودا بالعین المثالی. و کما یسمّى الإدراک البصری رؤیة یسمى الادراک الکشفی رؤیة کما لا یخفى.

هذا فی التصوّرات و الإدراکات الجزئیة، و هکذا الحال فی التصدیقات و الإدراکات الکلّیة فإنّ الحکم بکون الأمیر فی البلد قد یدرک توهما، و قد یدرک شکّا و ظنا، و قد یدرک علما عادیا، و تقلیدیا، و یقینیّا برهانیا، و یقینیا شهودیّا. و التفاضل بینها غیر مخفّی؛ و أقویها و أتمها و أشدّها هو العلم الشهودی. و یسمّى هذا العلم الشهودی فی ذلک التصدیق الشخصی رؤیة باعتبار، کما یسمّى علما و شهودا و عیانا و تصدیقا باعتبارات أخر.

و علم من ذلک أن الرؤیة غیر مختصة بالرؤیة البصریة المشروطة بمقابلة المرئی للرّائی، أو بحکم المقابلة کالرؤیة فی المرآة و الماء، و بتوسط جسم مشف، و عدم القرب المفرط و البعد و عدم آفة فی العین؛ و عمدتها التفات النفس إلى الآلة و فعلها فإنّ الإدراک البصری صفة النفس لکن فی مقامها النازل و مرتبة الباصرة. بل مقولة على إدراک عین الخیال فی عالم المثال کرؤیة المکاشفین و النائمین الرؤیا الصادقة، و على إدراک عین الخیال فی عالم الخیال کرؤیة المسرسمین و المبرسمین و النائمین الرؤیا الکاذبة فإنه لا یشکّ أحد من هؤلاء و لا ممّن اطلع على عالمهم و کیفیة إدراکهم أن مدرکاتهم مرئیات حقیقة و أنه لا یصحّ سلب الرؤیة عنها.

فالرؤیة فی المدرکات المتقدمة الجزئیة عبارة عن قوة الإدراک و شدّته بحیث لا یتصور إدراک أتم و أقوى منه، سواء کانت بالآلة المخصوصة أم بغیرها؛ و سواء کان المدرک مصاحبا للمادة أم غیر مصاحب. فصحّ إطلاق الرؤیة على المتقدر المجرد عن المادة، کما یصحّ إطلاقها على المتقدر المادّی، و لا اختصاص له بالمادّی.

و هذا التفاضل یجری فی المدرکات العقلیة المجردّة عن المادة و التقدیر فإنّ العقول الکلیة و الملائکة المقرّبین قد یتوهم وجودها، ثم یشتد هذا التوهم فیصیر شکا ثم ظنّا ثم علما عادیا و تقلیدیا ثم علما یقینیا برهانیا. فإذا اشتدّ العلم بحیث یخلّص العالم من المادة و غواشیها، و یرفعه عن العالمین و یوصله إلى المجردات حتى یشاهدها و یلحق بها، صار إدراکه أشد ما یتصور، و علمه عیانا. فإن شئت، فسمّ هذا العلم العیانی رؤیة فانّه لا مانع من اطلاق الرؤیة بهذا المعنى علیه؛ بل حقیقة الرؤیة و هی الانکشاف التام الذی لا یتصوّر فوقه انکشاف و ادراک هنا أتم و أقوى من الإنکشاف بآلة البصر؛ و قد عرفت أن لا مدخلیة لخصوص آلة البصر فی الرؤیة. و کذا الحال فی الحق الأوّل- تعالى شأنه- و صفاته.

ثمّ اعلم أن المعلوم المدرک فی أیّ عالم کان لا بد و أن یکون المدرک لذلک المعلوم بذاته أو بآلاته و وسائط درکه من سنخ ذلک العالم للزوم نحو من الإتصال، أو نحو من الإتحاد بین المدرک و المدرک کما قرّر فی الحکمیات و فی الفلسفة الأولى ألا ترى أن المدرکات المادیة التی هی من عالم المادة لا تدرک إلا بآلات مادیة کالحواس الخمس الظاهرة، و المدرکات الخیالیة و المثالیة التی هی من سنخ عالم المثال لا تدرک إلا بالحواس الباطنة التی هی أرفع من عالم المادة، و المعقولات التی هی أرفع من العالمین لا تدرک إلّا بقوة لیست من عالم المادة و لا من سنخ عالم المثال. فإذا ارید ادراک العقول لا بد و أن یرتفع المدرک عن العالمین و یصیر عقلا مجردا عن المادة و التقدّر، أو یتنزّل العقول عن عالمها العقلی و تتمثل بصور متقدرة حتى تدرک بالمدارک المثالیة کما فی نزول الملائکة على الأنبیاء علیهم السلام. فما لم یرتفع الدّانی أو لم یتنزّل العالی لا یمکن إدراک الدانی للعالی؛ فإذا سأل الدانی فی دنوّه بلسان حاله أو قاله رؤیة العالی فجوابه العتاب على هذا السؤال، و المنع من مسئوله، و الزجر على مأموله لسؤاله ما لیس له أن یسأل.

ثم أعلم أن الإنسان من أول استقراره فی الرحم جماد بالفعل و له قوة الإنسانیة، و لما کان ضعیفا غیر قابل لقبول أثر العقل جعل الباری- تعالى- نفس الأم واسطة فی فیضان نور العقل علیه حتى إذا استکمل بحیث یستعدّ لقبول فیض العقل بلا واسطة یتولد، و لیس له حینئذ من أثر العقل إلّا فعلیة المدارک الحیوانیة الظاهرة فیتدرج فی الإستکمال بفیض العقل حتى یتحقق فیه طلیعة ضعیفة من إشراق العقل فیدرک البدیهیات الأولیة الکلیة التی من شأنها أن یکون مدرکها العقل فیتدرج فی الإستکمال و یتقوى تلک الطبیعة حتى یمکنه اکتساب الکلیات فیتدرج فی ذلک حتى یعاین مکتسباته فیتدرج حتى یتحقق بها و صار عالما علمیا مضاهیا للعالم العینی؛ بل عالما غیبیا محیطا بالعالم العینی و حینئذ یصیر مطلقا عن قیوده خارجا من حجبه، و حدوده و له استعداد شهود الحق الأول- تعالى-، لکن اشتداده و ترقیه إلى زمان البلوغ و هو زمان الإستبداد بالرأی و الإستقلال فی الاختیار، و بعبارة أخرى إلى زمان یمکنه إدراک خیره و شرّه الأخرویین، کان على الصراط المستقیم‏ بأسباب إلهیة لا مدخل للعبد فیها و لا اختیار له. و لذا قیل: «کن مع اللّه کما کنت حتى کان معک کما کان».

و إذا وصل إلى مقام البلوغ و کله اللّه إلى اختیاره، و نبّهه على خیره و شرّه على ألسنة خلفائه الظاهرة و الباطنة، و أعانه على اختیاره الخیر، و خذله فی اختیاره الشرّ. فإن ساعده التوفیق و تدارکه جذبة من جذبات الرحمن و هی خیر من عبادة الثقلین، استراح من تعب السلوک و رفع القلم عنه و صار من الشیعة الذین رفع القلم عنهم؛ و إن و کله اللّه إلى نفسه و خذله باختیاره الشقاء التحقق بالشیاطین، و إن وفّقه اللّه للسلوک الیه باختیاره الخیر و التقوى من الشر فإما أن یسلک بقدم نفسه و یتعب نفسه فی السلوک الیه.

و بعبارة أخرى إما أن یعبد اللّه مع بقاء حکم النفس علیه و فی قیود أنانیته و یسمّى تقربه حینئذ تقرب النوافل؛ و هذا و إن أتعب نفسه فی السلوک و العبادة و جاهد غایة المجاهدة لم یکن له شأنیّة المشاهدة و المواصلة و لیس له إلا الفرقة و المباعدة. أو یسلک إلى اللّه و یعبد اللّه من غیر بقاء حکم النفس و أثرها علیه و یسمّى تقربه بقرب الفرائض؛ و هذا لخروجه من حدود نفسه و قیودها و ارتفاعه عن حجاب إنیّته له شأنیّة المواصلة و المشاهدة، بل یصیر هو الشاهد و المشهود فی کل شاهد و مشهود و البصیر و المبصر و السمیع و المسموع.

و الأول و إن کان مستریحا من تعب السلوک ملتذا بلذة الشهود، و الها فی المحبوب لیس له کمال مقام الجمع و التجمل بالأعوان و الجنود. و الثانی و إن کان له جمعیة و سعة و تجّمل لیست له لذة المشاهدة و السرور الأتم فهما ناقصان کلّ بوجه. و الثالث له الکمال الأتم و السرور الأبهى و الجمال الأجمل لجمعه بین کمال الشهود و التجمل بالأعوان و الجنود و له الخلافة الکبرى و الریاسة العظمى.

إذا عرفت ذلک فقس قوله- تعالى-: «وَ لَمَّا جاءَ مُوسى‏ لِمِیقاتِنا وَ کَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِی أَنْظُرْ إِلَیْکَ قالَ لَنْ تَرانِی»[30] إلى قوله- تعالى-: «سُبْحانَ الَّذِی أَسْرى‏ بِعَبْدِهِ لَیْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِی بارَکْنا حَوْلَهُ لِنُرِیَهُ مِنْ آیاتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ الْبَصِیرُ»،[31] حتى تعرف مقام محمد- صلّى اللّه علیه و آله و سلّم- فی العبادة و السلوک؛ و مقام موسى- علیه السلام- و تعرف أن موسى- علیه السلام- سلک بقدم نفسه لا بربّه، و لذلک کان مستحقا لجواب لن ترانی، و أنّ محمد (ص) سار بإسراء ربّه لا بسیر نفسه. و انّ محمدا (ص) هو السمیع لکل‏ مسموع فی مرتبته، و البصیر لکل مبصر فضلا عن نعمة مشاهدة ربّه و رؤیة آیاته الکبرى کما هو الظاهر من آخر الآیة، فان الظاهر عدم الالتفات فی آخر الآیة و تطابق ضمیر انه هو السمیع مع ضمیر لنریه.

و لما کان المتبادر إلى فهم العامة من الرؤیة رؤیة البصر و هی ممتنعة فی حقّه تعالى، و کان حقیقة الرؤیة فی حقه تعالى غیر ممنوعة اختلفت الأخبار فی نفی الرؤیة عنه تعالى، و إثباتها له. و بما ذکرنا من التحقیق یجمع بین متخالفات الأخبار فی باب رؤیة الحق- تعالى- و عدمها، و فی تفسیر هذه الآیة. و من أراد الإطلاع علیها فلیرجع إلى الکافی و الصافی. قال اللّه- تعالى- بعدما اندکّ جبل انّیته و مات عن أنانیته ثم أحیاه اللّه بحیوة أخرى غیر الحیوة الأخرى و استحق اعطاء کتاب النبوة: «یا مُوسى‏ إِنِّی اصْطَفَیْتُکَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِی» الخ.

هذا ما أردنا من نقل کلام صاحب بیان السعادة فی تحقیق الرؤیة و قد أفاد و أجاد على وفق الحکمة المتعالیة و الصفوة العرفانیة. و یعنی بالترفع و التنزل فی قوله: «فاذا ارید ادراک العقول لا بد و ان و یرتفع المدرک» إلى قوله: «و یتنزل العقول عن عالمها العقلی»، ترفعا بلا تجاف و تنزلا کذلک لأنّ الأسماء توقیفیة، فافهم و هذا الترفع و التنزل هو المراد من قوله الأول من ان الإدراک صیرورة الرائی سنخا للمرئی، او المرئی سنخا للرائی. ثم یشیر فی قوله: «ثم اعلم أن الانسان من اول استقراره فی الرحم جماد الخ»، إلى کون النفس جسمانیة حدوثا، و روحانیة بقاء.

و منها ما افاده صدر المتألهین- أنار اللّه برهانه- فی شرح الحدیث الثامن و الثمانین و المائة من کتابه شرح اصول الکافی فی کیفیة العلم بالأشیاء بقوله: «اعلم ان العلم بالأشیاء الجزئیة على وجهین:

احدهما ان یعلم الأشیاء من الأشیاء، بحسّ أو تجربة او سماع خبر او شهادة او اجتهاد، و مثل هذا العلم لا یکون إلّا متغیّرا فاسدا محصورا متناهیا غیر محیط، فانه یلزم أن یعلم فی زمان وجودها علما، و قبل وجودها علما آخر، ثم بعده علما آخر، فاذا سئل العالم بهذا العلم عن حادث ما کالکسوف مثلا حین وجوده یجیب بجواب فیقول مثلا انکسفت الشمس، و اذا سئل عنه قبل حدوثه یجیب بجواب آخر فیقول سیکون الکسوف، ثم اذا سئل بعده فیقول قد کان الکسوف. فعلمه بشی‏ء واحد تارة کان، و تارة کائن، و تارة سیکون، فیتغیر علمه، و مثل هذا العلم الانفعالی متغیر فاسد لیس بیقین إذ العلم الیقینی ما لا یتغیر اصلا.

و ثانیهما أن لا یعلم الأشیاء من الأشیاء؛ بل یعلم بمبادیها و اسبابها فیعلم اوائل الوجود و ثوانیها و هکذا الى أن ینتهی الى الجزئیات علما واحدا و عقلا بسیطا محیطا بکلیّات الأشیاء و جزئیاتها على وجه عقلی غیر متغیر فمن عرف المبدء الأول بصفاته اللازمة و عرف انه مبدء کل وجود و فاعل کل فیض وجود عرف اوائل الموجودات عنه و ما یتولّد عنها على الترتیب السببی و المسبّبی کما یتولد مراتب العدد من الواحد على الترتیب، و ما من شی‏ء من الأشیاء یوجد إلّا و قد صار من جهة ما یکون واجبا بسببه و سبب سببه إلى أن ینتهی الیه تعالى، فیکون هذه الأسباب بمصادماتها تتأدى إلى أن یوجد عنها الامور الجزئیة.

و هذا النحو من العلم أنما یحصل لانسان فارقت نفسه الأوطان و المواد و المتعلقات و هاجر الى اللّه- تعالى- کما قال عیسى- علیه السلام-: «إنی مهاجر إلى ربّی سیهدین».

فاذا ارتقى الى عالم الربوبیّة و افاض علیه من نوره صار عقله للأشیاء عقلا بسیطا یعقل الأشیاء بعلم اللّه الفائض علیه فیکون مدرکا للأمور الجزئیة من حیث دائمة کلّیة، و من حیث لا کثرة و لا تغیر فیه، و نسبة علمه بالأشیاء الى سائر العلوم کنسبة القوة الباصرة الى ادراک اجزاء المبصرات بابصار واحد، فما وقع علیه سهم الشعاع البصری یکون اولا و بالذات و هو اصدق رؤیة، ثم ما یلیه و ما یلی یلیه و هکذا الى الأطراف؛ فهکذا حال علم الأنبیاء و الأولیاء- علیهم السلام- بالأشیاء فان العالم کلّه کشخص متصل اجزاؤه بعضها ببعض، و علمهم بها کشعور النفس بجمیع أجزاء بدنها علما واحدا متفاوتا على ترتیب الأقرب فالأقرب و الألطف فانّها شاعرة بذاتها اولا، و بواسطة شعورها بذاتها تشعر ما یقرب ذاتها من القوى و الأرواح الکامنة فی القلب الذی هو مثال العرش، و الدماغ الذی هو مثال الکرسی؛ ثم بواسطتها الأعضاء اللطیفة و البسیطة ثم المرکبة على ترتیب الألطف فالألطف حتى ینتهی الى الجلد و الشعر و الأظفار، کل ذلک بعلم واحد بسیط، و لواردنا بیان تفصیل ذلک الشعور و العلم الذی لها بأجزاء بدنها و قواها و مشاعرها لما یسع له المجلدات، بل لأدّى ذلک الى غیر متناه من العلوم.

و بالجملة من عرف کیفیّة علم اللّه- تعالى- و علم مقرّبیه من الملائکة بالأشیاء الجزئیة الکائنة الفاسدة المتعاقبة فی الکون علما کلیا ثابتا دائما من غیر تغیّر و زوال و لا استحالة و انتقال و ان کانت المعلومات جزئیة کائنة مستحیلة زمانیّة متجددة فی انفسها و بقیاس بعضها الى بعض، أمکنه أن یعلم حینئذ کیفیة علم الأنبیاء و الأولیاء الکاملین علیهم السلام بأحوال الموجودات الماضیة و المستقبلة و علم ما کان و ما سیکون الى یوم القیمة علما کلیا ثابتا غیر متجدّد بتجدد المعلومات و لا متکثر بتکثرها، و عند ذلک یعرف معنى قوله تعالى: «وَ نَزَّلْنا عَلَیْکَ الْکِتابَ تِبْیاناً لِکُلِّ شَیْ‏ءٍ»[32] و یصدّق بأن جمیع العلوم و المعانی فی القرآن الکریم عرفانا حقیقیّا و تصدیقا یقینیّا على بصیرة لا على وجه تقلید أو سماع أو ما یجری مجریهما إذ ما من امر من الأمور إلّا و هو مذکور فی الکتاب إما بنفسه أو بمقوّماته و اسبابه و مبادیه و غایاته، و قد علمت ان العلم بسبب الشی‏ء یوجب العلم به؛ بل العلم الحقیقی بالمعلول ذی السبب لا یحصل الّا من جهة العلم بسببه، و لهذا لیس الإحساس بالشی‏ء و لا التجربه أو ما یجری مجریهما علما حقیقیا بذلک الشی‏ء، و اکثر الناس لمّا لم یعرفوا المبدء الأول- تعالى- حق معرفته و لا أوائل الموجودات و المبادی الکلیة و الغایات، و لا عرفوا العقول و لا النفوس و لا الطبائع الکلیة و اعراضها و اشواقها فی دوبها و حرکاتها الدوریة تقربا الى اللّه- تعالى- و طاعته و ما یترشح عنها من الخیرات و نعم اللّه على الکائنات، حتى أنهم لا یعرفون نفوسهم التی هی اقرب شی‏ء الیهم، فلا جرم لا یمکنهم فهم آیات القرآن و عجائبه و اسراره و ما یلزمها من الأحکام و العلوم التی لا یتناهى و لا یعدّ و لا یحصى، و لو کان البحر مدادا و الأشجار اقلاما و الافلاک بصفائحها صحائف و کتبا و اوراقا، و لأجل ذلک صار الانسان یتعجب من کون القرآن مع صغر حجمه و وجازة نظمه فیه جمیع العلوم و الأخبار، و لا یؤمن بالقرآن و آیاته إلا القلیل من الناس و هم الذین خصّهم اللّه بنوره، و نوّر قلوبهم بآیاته، و آتاهم الحکمة و فصل الخطاب ذلک فضل اللّه یؤتیه من یشاء و اللّه ذو الفضل العظیم‏[33]

 



[1] المصدر، ط 1، ص 278.

[2] دروس اتحاد العاقل بالمعقول، ط 1، ص 331.

[3] شرح القیصری على فصوص الحکم، ط 1، ص 22.

[4] الأسفار، ط 1، ج 1، ص 75.

[5] المصدر، ج 1، ص 200.

[6] المصدر، ج 1، ص 283 و 313.

[7] المصدر، ج 3، ص 172.

[8] المصدر، ط 1، ج 1، ص 61.

[9] تمهید القواعد، ط 1، ص 115.

[10] مصباح الأنس، ط 1، ص 32، 33.

[11] الأسفار، ط 1، ج 1، ص 75.

[12] المصدر، ج 1، ص 200.

[13] المصدر، ج 1، ص 283.

[14] المصدر، ج 1، ص 313.

[15] المصدر، ج 3، ص 170- 171.

[16] غرر الفرائد، ط (الناصری)، ص 73.

[17] المصدر، ص 191.

[18] المصدر، ص 331.

[19] الرحمن: 30.

[20] الشفاء، ط (الرحلی الحجری) ج 2، ص 264.

[21] تجرید الاعتقاد لتصحیح المؤلف و تعلیقاته علیه، ص 176.

[22] التعلیقات للشیخ الرئیس ط (مصر)، ص 100.

[23] المبدأ و المعاد، ط (ایران)، ص 98.

[24] الاسفار بتعلیقات السبزواری، ط 2، ج 3، ص 437.

[25] غرر الفرائد، ط (الناصری)، ص 167.

[26] البقرة: 256.

[27] الاسفار بتعلیقات السبزواری، ط 1، ج 1، ص 133- 134.

[28] الاسفار، ط 1، ج 1، ص 283- 286.

[29] الأعراف: 143- 146.

[30] الاعراف: 143.

[31] الإسراء: 1.

[32] النحل: 90.

[33] اصول الکافی شرح صدر المتألهین ط الرحلى، ص 206


نظرات  (۰)

هیچ نظری هنوز ثبت نشده است

ارسال نظر

ارسال نظر آزاد است، اما اگر قبلا در بیان ثبت نام کرده اید می توانید ابتدا وارد شوید.
شما میتوانید از این تگهای html استفاده کنید:
<b> یا <strong>، <em> یا <i>، <u>، <strike> یا <s>، <sup>، <sub>، <blockquote>، <code>، <pre>، <hr>، <br>، <p>، <a href="" title="">، <span style="">، <div align="">