سرح العیون فی شرح العیون - عین 27
عین فی خروج النفس من القوة الى الفعل و فی مخرجها (27)
کز- و من تلک العیون النوریة خروج النفس من القوة الى الفعل ای ارتقائها من النقص الى کمالها الممکن لها. فلابد لها من مخرج و ذلک المخرج لا یکون إلا مفارقا بما تقرر فی محلّه و قد بحثنا عنه فی کتابنا دروس معرفة النفس.
و قد سلک الفارابی هذا المسلک فی اثبات المفارقات و صنّف رسالته فی اثبات المفارقات، کما تجده محرّرا فی کتابنا المذکور.
و جملة الأمر أن الصورة العلمیة عاریة عن المواد خالیة عن القوة و الاستعداد فوعائها مسانخ لها فالواهب و المتهب عاریان عن المادة و احکامها، و ان کان إطلاق الوعاء على ضرب من التوسع فی التعبیر لأن العلم و العالم و المعلوم فیهما حقیقة فاردة نوریة فتبصر.
و اعلم أن البحث عن المثل النوریة الالهیة انما کان محتاجا الیه من عدة جهات: منها أنها مخرجة الناقصات عن نقصها الى کمالها و تفصیل المطلب و تنقیحه یطلب من رسالتنا المعمولة فی المثل الآلهیة و لکنها لم تطبع بعد.
کتاب افلاطون فی الاسلام لعبد الرحمن بدوی[1]: «الفصل السابع فی مائیة النفس و الحیوة التی لها و ما تلک الحیوة و ما الذی یحفظها علیهما حتى تکون دائمة البقاء سرمدیة.
و قد اطلق علیها (ای على النفس) افلاطن أنها حرکة. و ذلک أنه قال فی کتاب النوامیس: إن الذی یحرک ذاته فجوهره حرکة.
و ینبغی ان ننظر أیّ حرکة هذه التی للنفس؟ فانا قد قلنا إن النفس جوهر و لیست بجسم، و الحرکات التی کنّا أحصیناها اعنی الستة (کذا- و الصواب: الست ظ) هی حرکات الجسم و لیس یلیق شیء منها بهذا الجوهر.
فنقول: ان هذه الحرکة حرکة الرویة و هی جولان النفس ... لها دائما، فانها لا تجد النفس خالیة من هذه الحرکة فی حال من الأحوال، و هذه الحرکة لما لم تکن جسمانیة لم تکن مکانیة. و لما لم تکن مکانیة لم تکن خارجة عن ذات النفس. و لذلک قال افلاطون: «جوهر النفس هی الحرکة. و هذه الحرکة هی حیاة النفس، و لما کانت ذاتیة کانت الحیاة لها ذاتیة» انتهى ما فی کتاب افلاطن فی حرکة النفس.
أقول: الحرکة فی کتب المحققین من أهل التوحید یطلق على معنى اعم مما فی الکتب الفلسفیة منها الحرکة الحبیّة یطلقونها- علیه سبحانه- و قد اخذوها من قوله: «احببت أن أعرف و خلقت الخلق لکی اعرف». ثم حرکة جوهر النفس هی الحرکة الجوهریة التی کانت البراهین على صدقها فی الحکمة المتعالیة قد احکمت بنیانها. و لما کانت النفس الناطقة مع قطع النظر عن تعلقها بالبدن جوهرا مجردا، فحرکتها لا بدّ أن تکون مع هذا التعلق الطبیعی بمعنى أن البدن الطبیعی مرتبتها النازلة. و بالجملة لمثل هذا الشیء المتبدل وجود ذاته فی الاستکمال تعلق ما بجوهر مادی واقع تحت الحرکة و الزمان.[2] و یطلب على التفصیل فی الفصل الثامن من المرحلة الرابعة من الأسفار، قوله: «فان قلت: الانسان مرکب الخ»[3]
و قد تقدمت الاشارة فی العین العاشرة إلى أنّ تغلغل الفکر فی تکون مادة الجنین، ثم فی اعتلاء المتکوّن الى معارجه یثمر أن النفس تنتقل انتقالا جوهریا من طور الى طور.