ط- عین فی تکوّن جوهر النفس: هل هی جسمانیة
الحدوث و التصرف، أو روحانیة الحدوث و التصرف؟ و بعبارة أخرى هل هی حادثة بحدوث
البدن، أو حادثة مع حدوث البدن؟. و القولان متفقان فی أنها روحانیة البقاء و
التعقل، «إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِیَ
الْحَیَوانُ لَوْ کانُوا یَعْلَمُونَ» «1». و ذهب المتأخرون من المشاء الى القول الثانی،
و هو ذو شعب. و الحق أن النفس جسمانیة الحدوث و التصرف حادثة بحدوث البدن متسخرة
تحت تدبیر المتفرد بالجبروت. و هی تنتقل انتقالا جوهریا من طور الى طور، و النطفة
قد فاضت علیها من المبدء الفعال کمالات متعاقبة جوهریة؛ أوّلها کالصورة المعدنیة و
هی الحافظة للترکیب و المفیدة للمزاج، و ثانیها الصورة النباتیة، و بعدها الجوهر
الحیوانی، و هکذا وقع الاشتداد فی الوجود الصوری الجوهری إلى أن تجرّد و ارتفع عن
المادة ذاتا، ثم ادراکا و تدبیرا و فعلا و تأثیرا؛ فنفسیّة النفس هی نحو وجودها لا
اضافة عارضة لذاتها بعد تمام هویّتها. و أمّا الذی اشتهر من افلاطون من أن النفس
قدیمة، فمراده من قدمها قدم مبدعها و منشئها الّذی ستعود الیه النفس بعد انقطاعها
عن الدنیا، و الیه یؤول کلام الامام الصادق- علیه السلام- فی الحدیث السابق ذکره:
«کنانی قدیم، و عیانی محدثّ».
______________________________
(1) العنکبوت: 64.
ى- عین فی تکون مادّة الجنین، و استحالاتها الى أن یتمّ: قوله عز من
قائل: «وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ
مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِینٍ» «1» الآیة، ینادى بأن النفس حادثة بالبدن لا مع البدن، و هی قوة فی غایة
الشرف بالنسبة الى سائر القوى، منطبعة فی الجسم. و هذه القوة لاعتلاء جوهرها،
کأنها مرتفعة الذات عن سنخ المادة. و هذه القوة بالقوة انسان: أی فی تحت تدبیر
الملکوت تصیر خلقا آخر، ثم تخرج الى الفعلیة بالاشتداد الوجودی و الحرکة فی الجوهر
و تجدّد الأمثال ذلک تقدیر العزیز العلیم، على ما اشیر الیه فی التاسعة.
و الکلام فی تفصیل استحالات مادة الجنین الى أن
یتم یطلب فی الخامس من تاسعة حیوان الشفاء «2» و فی الفصل الثالث عشر من الباب الثالث من نفس
الأسفار فی وقت تعلق النفس الناطقة بالبدن «3» ففی الأول أن أول الأحوال زبدیة المنى و هو من
فعل القوة المصوّرة، و الحال الأخرى ظهور النقطة الدمویة فی الصفاق و امتدادها فی
الصفاق امتدادا مّا، و ثالث الأحوال استحالة المنى الى العلقة، و بعدها استحالته
الى المضغة، و بعدها استحالته الى تکوّن القلب و الأعضاء الأولى و أوعیتها، و
بعدها تکوّن الأطراف، الى آخر ما أفاد.
یا- عین فی الفصل بین الروح البخاری، و الروح
الانسانی: الروح البخاری هو الحار الغریزی الذی هو الآلة النفسانیة الأولى. و هو
جسم لطیف ذو مزاج متکوّن من صفوة الأخلاط الأربعة و هو ألطف الأجسام الباقیة من
أجزاء البدن و أدقّها و أصفاها. و لذلک کان أشد قبولا لأفعال النفس من سائر أجزاء
البدن. و الروح الانسانی أی النفس الناطقة لیس بجسم، بل جوهر مجرد عن المادة و
أحکامها. و الروح و النفس یطلقان بالاشتراک الاسمی علیهما. و الروح البخاری مطیّة
أولى للنفس الناطقة فی تعلقها بالبدن أی علّة قریبة لحیوة البدن، و النفس علة
بعیدة لها. و الروح البخاری یحویه البدن، و أما الروح الإنسانی فالبدن مرتبة نازلة
منه من حیث هو بدنه. و الروح البخاری اذا فارق البدن یبطل و یفسد، و أما الروح
الانسانی فهو باق بحیوته الأبدیة، و انما یبطل بعض افعاله من بدنه العنصری.
و حیث إن الروح البخاری جسم لطیف ذو مزاج و
مطیة اولى للروح الانسانی، فکلما کان
______________________________
(1). المؤمنون: 12.
(2). الشفاء، ج 1، ص 436-، الطبع الحجری
الاوّل.
(3)، الاسفار، ج 4، ص 35، الطبع الرحلی
الاوّل.
مزاجه أعدل کان افعال الروح الانسانی اکثر و اشدّ و على غایة
الاستواء و الاعتدال.
الطبیب یبحث عن الروح البخاری، و الارواح
البخاریة عنده ثلاثة: احدها الطبیعی و تولّده فی الکبد؛ و ثانیها الروح الحیوانی و
تولّده فی القلب؛ و ثالثها الروح النفسانی و تولّده فی بطون الدماغ، على التفصیل
المحرّر فی محلّه.
یب- عین فی أن المزاج کلّما کانت أعدل، کانت
النفس الفائضة علیه أفضل:
الاجسام العنصریة تمنعها صرفیة التضادّ عن قبول
الحیوة…
شرح کتاب «سرح العیون فی شرح العیون» توسط آیت الله صمدی آملی - جلسه سوم